تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)}.

في هذه الآيات: يحثّ الله تعالى المؤمنين على الثبات عند لقاء العدو والاستعانة بذكره عند النزال، كما يأمر تعالى المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله ويحذرهم من مغبة الشقاق والخلاف، ويأمرهم بالصبر وعدم التأثر بمنهاج المبطلين. لقد زيّن الشيطان للمشركين يوم بدر خروجهم في معاداة الرسول والمؤمنين، ووسوس لهم أنه لا غالب لكم اليوم، وأنه مجير ومعين لهم، فلما حمي الوطيس ظهر الشيطان على حقيقته فتقهقر أمام شدة بأس المؤمنين، ونزول الملائكة مسومين، وأعلن انسحابه وبراءته من العهد والجوار، وخوفه من بأس الله وجنده وشدة عقابه. إنه لما دنا القوم بعضهم من بعض، وقَلَّلَ الله المسلمين في أعين المشركين، قال المشركون: {غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ}، فظنوا أنهم سيهزمونهم لا يشكون في ذلك، فثبت الله المؤمنين ودعاهم إلى صدق التوكل عليه إنه عزيز حكيم.

فقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا}.

أمر الله تعالى بالثبات عند قتال الكفار، كما نهى عن الفرار عنهم في الآية السابقة.

قال القرطبي: (فالتقى الأمر والنهي على سواء، وهذا تأكيد على الوقوف للعدو والتجلّد له).

وفي الصحيحين - واللفظ لمسلم - عن عبد الله بن أبي أوفى: [أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان في بعض أيامه التي لقِيَ فيها العَدوَّ، ينتظر حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال: "يا أيها الناس! لا تتمنّوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف، ثم قام النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: اللهمَّ! مُنْزِلَ الكتاب، ومُجْري السَّحاب، وهازِمَ الأحزاب، اهزِمْهُم وانْصُرنا عليهم] (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015