عزائمهم، ولو أراه إياهم كثيرًا فأخبر أصحابه بذلك لَجَبُنوا وفَشِلوا عن لقائهم، ولكن الله شجعهم برحمته وتأييده.

قال ابن عباس: ({وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ}، يقول: سلَّمَ الله لهم أمرهم حتى أَظْهَرَهُم على عدوهم).

وقوله: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}. أي: بما تجنّه وتخبئه وتنطوي عليه، فإنه سبحانه يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

وقوله تعالى: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}.

قال ابن مسعود: (لقد قُلِّلوا في أعيننا يوم بدر، حتى قلت لرجل إلى جنبي: تراهم سبعين؟ قال: أراهم مئة! قال: فأسرنا رجلًا منهم فقلنا: كم هم؟ قال: ألفًا).

وقال ابن جرير: ({وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ}: يقلل المؤمنين في أعينهم، ليتركوا الاستعداد لهم، فتهون على المؤمنين شوكتهم).

وقال القرطبي: (كان هذا في ابتداء القتال حتى قال أبو جهل في ذلك اليوم: إنما هم أكلة جَزُور (?)، خذوهم أخذًا واربطوهم بالحبال، فلما أخذوا في القتال عظم المسلمون في أعينهم فكثروا، كما قال: {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ} [آل عمران: 13]. قال: {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} تكرار هذا، لأن المعنى في الأوّل من اللقاء، وفي الثاني من قتل المشركين وإعزاز الدين، وهو إتمام النعمة على المسلمين. {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} أي: مصيرها ومردّها إليه).

45 - 49. قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015