وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)}.
في هذه الآيات: يخاطب الله تعالى المؤمنين ممتنًا عليهم ببعض روائع القدر الذي قضاه لهم يوم بدر: إنكم نزلتم بشفير الوادي الأدنى إلى المدينة وعدوكم من المشركين نازل بشفير الوادي الأقصى إلى مكة وعير أبي سفيان في موضع أسفل منكم إلى ساحل البحر، ولو كان ذلك عن ميعاد منكم ومنهم ما لقيتموهم، ولكن الله قدّر هذا النزول وما يعقبه من لقاء الحسم الذي يعلي به راية الحق ويكسر أهل الكفر والباطل.
ولقد كان للرؤيا التي أراها الله نبيّه قبل المعركة أثرها في تثبيته - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين معه، إنه - تعالى - عليم بذات الصدور.
ثم كان الأثر الأكبر أثناء القتال حين قلّل الله عدد المشركين في أعين المؤمنين ليزدادوا ضراوة وشجاعة، وقلّل عدد المؤمنين في أعين المشركين ليتركوا الأهبة ويستخفوا بالقتال، فيهون على المؤمنين استئصالهم، إنه تعالى هو الحكيم العليم، وإليه مرجع الأمور وجميع العالمين.
فقوله: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}.
قال ابن جرير: ({إِذْ أَنْتُمْ}، حينئذ، {بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا}، يقول: بشفير الوادي الأدنى إلى المدينة، {وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى}، يقول: وعدوكم من المشركين نزولٌ بشفير الوادي الأقصى إلى مكة، {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}، يقول: والعير فيه أبو سفيان وأصحابه في موضع أسفل منكم إلى ساحل البحر).
وعن قتادة: ({إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى}، وهما شفير الوادي.
كان نبيّ الله بأعلى الوادي، والمشركون أسفله، {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}، يعني: أبا سفيان، انحدر بالعير على حوزته، حتى قدم بها مكة).