وقوله: {وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا}.
قال ابن إسحاق: (ولو كان ذلك عن ميعاد منكم ومنهم، ثم بلغكم كثرة عددهم وقلة عددكم، ما لقيتموهم، {وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا}، أي: ليقضي الله ما أراد بقدرته، من إعزاز الإسلام وأهله، وإذلال الشرك وأهله، عن غير مَلأٍ منكم، ففعل ما أراد من ذلك بلطفه).
وعن عمير بن إسحاق قال: (أقبل أبو سفيان في الركب من الشأم، وخرج أبو جهل ليمنعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فالتقوا ببدر، ولا يشعر هؤلاء بهؤلاء، ولا هؤلاء بهؤلاء، حتى التقت السُّقاة. قال: ونَهَدَ الناس بعضهم لبعض) - ذكره ابن جرير بإسناده -.
وكان أبو سفيان قد بعث ضمضم بن عمرو الغفاري يستنفر أهل مكة لحماية أموالهم إذ شعر بمحاولة المسلمين الاستيلاء على القافلة، والاعتراض لطريقها.
وبينما هو كذلك إذ لقي مجدي بن عمرو في الطريق.
قال ابن إسحاق في السيرة: (وأقبل أبو سفيان بن حرب، حتى تقدم العير حذرًا، حتى ورد الماء، فقال لمجدي بن عمرو: هل أحسست أحدًا، فقال: ما رأيت أحدًا أُنْكِره، إلا أني قد رأيت راكبين قد أناخا إلى هذا التل، ثم استقيا في شنّ لهما، ثم انطلقا. فأتى أبو سفيان مُنَاخهما، فأخذ من أبعار بعيريهما، فَفَتَّهُ، فإذا فيه النّوى، فقال: هذه والله علائف يَثرب، فرجع إلى أصحابه سريعًا، فضرب وَجه عيره عن الطريق، فسَاحَلَ بها (?)، وترك بدرًا بيسار، وانطلق حتى أسرع) (?).
فمضى أبو سفيان يشتد بالعير وهو يضرب وجهها عن الطريق شاردًا نحو الساحل، تاركًا بدرًا إلى يساره فنجا، وأرسل إلى قريش يقول: (إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم، فقد نجّاها الله، فارجعوا، فقال أبو جهل بن هشام: والله لا نرجِعُ حتى نَرِدَ بدرًا، فنقيم عليه ثلاثًا، فننحرَ الجُزُرَ، ونُطعم الطعام، ونُسْقي الخمر، وتَعْزِفُ علينا القيان - أي الجواري -، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجَمْعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدًا بعدها، فامضُوا).