قال سعيد بن جبير: (نزلت في أبي سفيان بن حرب. استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش من بني كنانة، فقاتل بهم النبي - صلى الله عليه وسلم -).
ومع ذلك فالآية عامة تحكي سلوك الطغاة في كل زمان ومكان، في جمعهم لحرب الحق والإسلام، لتكون تلك الأموال عليهم حسرة وندامة وخزيًا في الدنيا والآخرة، فإن نور الله لا يمكن إطفاؤه، والله غالب على أمره ولو كره الكافرون.
وقوله: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}.
يشمل التمييز في الدنيا والآخرة.
أولًا - في دار الدنيا:
قال ابن عباس: ({لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}، فمَيَّزَ أهل السعادة من أهل الشقاوة).
وفي التنزيل من ذلك المعنى كثير:
1 - قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} [آل عمران: 166، 167].
2 - وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 142].
3 - وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [التوبة: 16].
4 - وقال تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} [آل عمران: 179].
فيكونُ قوله في آية الأنفال: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} من نحو ذلك. فهو كما قال الحافظ ابن كثير: (ويحتملُ أن يكون هذا التمييزُ في الدنيا، بما يظهر من أعمالهم للمؤمنين، وتكون اللام معللة لما جعل الله للكفار من مال ينفقونَه في الصد عن سبيل الله، أي: إنما أقدرناهم على ذلك {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}، أي: من يُطِيعه بقتال أعدائه الكافرين، أو يعصيه بالنكول عن ذلك).