ثانيًا - في الدار الآخرة:
قال السدي: (ثم ذكر المشركين وما يصنع بهم يوم القيامة، فقال: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}، يقول: يميز المؤمن من الكافر، فيجعل الخبيث بعضه على بعض).
وفي التنزيل:
1 - قال تعالى: {ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ} [يونس: 28].
2 - وقال تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} [الروم: 14].
3 - وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} [الروم: 43].
4 - وقال تعالى: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} [يس: 59].
وقوله: {وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.
قال ابن زيد: ({فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا}: فيجمعه جميعًا بعضهم على بعض).
أي: يُراكم بعضهم فوق بعض في نار جهنم، وأولئك هم الخاسرون صفقة الدنيا والآخرة.
وقوله: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}.
قال ابن العربي: (هذه لطيفة من الله سبحانه منّ بها على الخلق، وذلك أن الكفار يقتحمون الكفر والجرائم، ويرتكبون المعاصي والمآثم، فلو كان ذلك يوجب مؤاخذة لهم لما استدركوا أبدًا توبة، ولا نالتهم مغفرة. فيسّر الله تعالى عليهم قبول التوبة عند الإنابة، وبذل المغفرة بالإسلام، وهدم جميع ما تقدم، ليكون ذلك أقربَ لدخولهم في الدين، وأدعى إلى قبولهم لكلمة المسلمين، ولو علموا أنهم يؤاخذون لما تابوا ولا أسلموا) - حكاه القرطبي.
والمقصود أن الله تبارك وتعالى يعطي الفرصة للعبد ليتوب ويستعتب من إساءته، ومن ذلك تشجيع الكفار على استئناف طاعة الله وتعظيمه وحده لا شريك له، وترك ما كانوا عليه من الكفر والخطايا والمكر بدينه والمؤمنين.
وقد حفلت السنة الصحيحة بآفاق هذا المعنى في أحاديث: