في بيت نتربص به ريب المنون - والريب هو الموت والمنون هو الدهر -.
قال إبليس: بئسما قلت! تجعلونه في بيت، فيأتي أصحابه فيخرجونه، فيكون بينكم قتال! قالو: صدق الشيخ! . قال: أخرجوه من قريتكم! قال إبليس: بئسما قلت! تخرجونه من قريتكم، وقد أفسد سفهاءكم، فيأتي قرية أخرى فيفسد سفهاءهم، فيأتيكم بالخيل والرجال! قالوا: صدق الشيخ! قال أبو جهل - وكان أولاهم بطاعة إبليس -: بل نعمد إلى كل بطن من بطون قريش فنخرج منهم رجلًا، فنعطيهم السلاح، فيشدّون على محمد جميعًا فيضربونه ضربة رجل واحد، فلا يستطيع بنو عبد المطلب أن يقتلوا قريشًا، فليس لهم إلا الدية.
وفي لفظ آخر: (قال: أرى أن تأخذوا من كل بطن من قريش شابًا نسيبًا وسطًا فتيًا، ثم نعطي كل فتى سيفًا صارمًا، ثم يضربونه جميعًا ضربة رجل واحد، فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل كلها، ولا أظن بني هاشم يقوون على حرب قريش كافة، فإذا لم يبق أمامهم إلا الدية أديناها).
قال إبليس: صدق، وهذا الفتى هو أجودكم رأيًا! .
وفي لفظ: لله درّ هذا الفتى، هذا والله الرأي. فقاموا على ذلك.
وأخبر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فنام على الفراش، وجعلوا عليه العيون. فلما كان في بعض الليل، انطلق هو وأبو بكر إلى الغار ونام علي بن أبي طالب على الفراش، فذلك حين يقول الله: {لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} قال: والإثبات هو الحبس والوثاق، وهو قوله: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} يقول: يهلكهم) (?).
وقوله: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.
فإنه من صفات الله العظيم، صفة المكر والكيد بالكافرين، كما قال تعالى: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد: 13].
وكقوله جل ذكره: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق: 15، 16].
وكقوله جل ثناؤه: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [النمل: 50].