على أبيها فقالت: هؤلاء الملأ من قومك في الحجر قد تعاهدوا أن لو قد رأوك قاموا إليك فقتلوك، فليس منهم رجل إلا قد عرف نصيبه من دمك. قال: يا بُنَيَّة أدني وضوءًا. فتوضأ، ثم دخل عليهم المسجد، فلما رأوه قالوا هذا هو، فخفضوا أبصارهم، وعَقِروا في مجالسهم، فلم يرفعوا إليه أبصارهم ولم يقم منهم رجل. فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قام على رؤوسهم، فأخذ قبضة من تراب فحصبهم بها وقال: شاهت الوجوه. قال: فما أصابت رجلًا منهم حصاة إلا قد قتل يوم بدر كافرًا] (?).

لقد أبصر المشركون أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يتجهزون ويغادرون مكة، وقد ساقوا معهم نِسَاءهم وأطفالهم وذراريهم وأموالهم، وبقي محمد - صلى الله عليه وسلم - لا بد مدرك بأصحابه بين اليوم والغد، فأثار ذلك قلاقلهم وحرك أحزانهم ومخاوفهم، وخاصة على طريق تجارتهم إلى الشام، فموقع المدينة حرج بالنسبة للقوافل وطريق التجارة عبر ساحل البحر الأحمر من اليمن إلى الشام، فرأت قريش ضرورة عقد اجتماع قمة عاجل للقبائل، فكان من أبرز من حضره:

أبو جهل بن هاشم عن قبيلة بني مخزوم، وجبير بن مطعم والحارث بن عامر عن بني نوفل بن عبد مناف، وشيبة وعتبة ابنا ربيعة وأبو سفيان بن حرب عن بني عبد شمس بن عبد مناف، والنضر بن الحارث عن بني عبد الدار، وزمعة بن الأسود وأبو البختري بن هشام وحكيم بن حزام عن بني أسد بن عبد العزى، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج عن بني سهم، وأمية بن خلف عن بني جمح.

يروي ابن جرير عن السدي وكذلك ابن إسحاق من طريق ابن عباس واللفظ له: (أنَّ نفرًا من قريش من أشراف كل قبيلة، اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل، فلما رأوه قالوا: من أنت؟ قال: شيخ من نجد، سمعت أنكم اجتمعتم، فأردت أن أحضركم، ولن يعدمكم مني رأي ونُصح. قالوا: أجل، ادخل، فدخل معهم فقال: انظروا إلى شأن هذا الرجل، والله ليوشكن أن يواثبكم في أموركم بأمره).

وفي رواية السدي: (فقال بعضهم: خذوا محمدًا إذا اضطجع على فراشه، فاجعلوه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015