ثم يخبر الله تعالى عن تنطع كفار قريش عند سماع آيات القرآن الواضحة الساطعة بنورها وحججها تُتلى عليهم.

ثم يخبر سبحانه عن قول فرعون هذه الأمة - أبي جهل - يستعجل العذاب، وأنّ الله لا يعذب قومًا وأنبياؤهم بين أظهرهم، ثم يثبت تعالى أن هؤلاء الكفار من قريش يستحقون العذاب وقد كفروا بالله وما كانت صلاتهم عند البيت إلا سخرية واستهزاء.

فقوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ}.

قال ابن عباس: (ليقيدوك) أو: (ليوثقوك).

وقال عطاء: (ليحبسوك)، أو: (يَسْجنوك).

وقال السُّدي: (الإثبات هو الحبس والوثاق)، وهذا القول أشمل.

وقال قتادة: (ليشدوك وثاقًا، وأرادوا بذلك نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يومئذ بمكة).

وقيل: ليسحروك.

وقول ابن عباس والسدي وقتادة أرجح.

لقد بدأت قريش تشعر أن أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - يزداد خطرًا عليها يومًا بعد يوم، وأدركت أن الرجل يخطط بدقة ليهاجر بأصحابه إلى حيث يشعر بالقوة والأمن وسهولة الحركة، الأمر الذي زادها غيظًا وحنقًا، فهي لا تستطيع أن تتصور هؤلاء الرجال حوله وقد أصبحوا مصدر قلق على أمنها ومصدر خوف على تجارتها واقتصادها، وقد صارت لهم دولة وشوكة.

ومن هنا فكرت قريش مليًا في خطة محبوكة تُفْسِدُ على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه طُموحَاتِهم وأمانيهم وتهدد سبيل هجرتهم، فنشأت فكرة التخلص منه بمحاولة قتله.

وقد أشار القرآن النازل أيام المدينة لما كان يجري في أواخر أيام الحياة بمكة، يَمُنُّ الله بذلك على نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن حماه من سيوف المشركين ومن محاولات أولئك المجرمين.

فقال في آية الأنفال السابقة: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.

أخرج الإمام أحمد في المسند، بسند صحيح، عن ابن عباس قال: [إن الملأ من قريش اجتمعوا في الحجر، فتعاهدوا باللات والعزى ومناةَ الثالثةِ الأخرى، لو قَدْ رأينا محمدًا قمنا إليه قيامَ واحد، فلم نفارقه حتى نقتله. فأقبلت فاطمة تبكي حتى دخلت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015