اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18)}.

في هذه الآيات: توجيه الباري عز وجل الخطاب إلى المؤمنين يحذرهم من الفرار من ساحة القتال، ويخبرهم أن ذلك من أكبر الكبائر، وأنه لا حجة لأحد بذلك إلا أن يكون متحرفًا لقتال ضمن خطة مدبرة للإجهاز على العدو أو ضمن عمليات كرٍّ وفرٍّ، وإلا فإن عذاب الفرار من البأس عند الله شديد.

ثم إنكم لم تقتلوهم أنتم بقوتكم وشجاعتكم ولكن الله قضى قتلهم فأعانكم ورضي منكم الامتثال فأظهر ذلك كرامة منه لكم على أيديكم، وكذلك ما كان من أثر الرمي فإن إصابة الهدف كان بعون الله وتوفيقه وليختبر سبحانه المؤمنين، إنه سميع عليم.

وكل ما حصل لكم من توفيق الله ونصرٍ كان من الله تعالى ليوهن كيد الكافرين.

فقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ}.

قال القرطبي: (الزحف: الدنوّ قليلًا قليلًا. يقول: إذا تدانيتم وتعاينتم فلا تفِرّوا عنهم ولا تعطوهم أدباركم. حرّم الله ذلك على المؤمنين حين فرض عليهم الجهاد وقتال الكفار. قال ابن عطية: والأدبار جمع دُبُر. والعبارة بالدبر في هذه الآية متمكنة الفصاحة، لأنها بشعة على الفارّ، ذامّة له).

ثم قال: (أمر الله عز وجل في هذه الآية ألا يولي المؤمنون أمام الكفار. وهذا الأمر مُقَيَّد بالشريطة المنصوصة في مِثْلَي المؤمنين، فإذا لقيت فئة من المؤمنين فئة هي ضِعْفُ المؤمنين من المشركين فالفرض ألا يَفِرّوا أمامهم. فمن فرّ من اثنين فهو فارٌّ من الزحف، ومن فرّ من ثلاثة فليس بفارّ من الزحف، ولا يتوجّه عليه الوعيد).

وقوله: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ}.

أخرج أبو داود والحاكم بسند صحيح عن أبي سعيد قال: [نزلت في يوم بدر: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ}] (?).

قال الضحاك: ("المتحرف"، المتقدم من أصحابه ليرى غِرَّة من العدو فيصيبها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015