قد دلَّ على حضور الملائكة وشهودها القتال يوم بدر بهذه الآية المعجزة في آفاقها وبيانها وخبرها، فكان ضرب الرقاب من الخلف لتقطع مع أن المواجهة كانت من الأمام من قبل المؤمنين علامة مشاركة الملائكة في قتل المشركين، أضف إلى ذلك أن الضربَ فوق البنان صعب عادة في أثناء المسايفة، لوجود قبضة السيف التي تحمي اليد والأصابع، فكان ظهور البنان من الكفار مقطعًا في نهاية المعركة هو بحدّ ذاته دليل آخر على حضور الملائكة أكّده الله تعالى للمؤمنين بقوله: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}.

وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.

قال ابن جرير: (يعني تعالى ذكره بقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ}، هذا الفعل من ضرب هؤلاء الكفرة فوق الأعناق وضرب كل بنان منهم، جزاءٌ لهم بشقاقهم الله ورسوله، وعقاب لهم عليه. ومعنى قوله: {شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ}، فارقوا أمرَ الله ورسوله وعصوهما، وأطاعوا أمرَ الشيطان. ومعنى قوله: {وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}، ومن يخالف أمرَ الله وأمر رسوله ففارق طاعتهما، {فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، له. وشدة عقابه له: في الدنيا، إحلالُه به ما كان يحلّ بأعدائه من النقم، وفي الآخرة، الخلودُ في نار جهنم، وحذف "له" من الكلام، لدلالة الكلام عليها).

وقوله تعالى: {ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ}.

قال النسفي: (أي ذوقوا هذا العذاب العاجل مع الآجل الذي لكم في الآخرة).

وقال القرطبي: (ومعنى الكلام التوبيخ للكافرين).

والمقصود: هذا العذاب في الدنيا بأيدي الملائكة والمؤمنين من الضرب فوق الأعناق منكم ومن ضرب الأيدي والأعضاء وكل بنان، هو عذاب عاجل، له متابعة في خزي وعذاب ونكال آجل، أعدّه الله للكافرين في نار جهنم وبئس المصير.

15 - 18. قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015