به وحادَ عنه وأعرض عن هديه، إنّا سنجازي الذين يعرضون عنه سوء العذاب بما كانوا يعرضون. هل ينتظر هؤلاء العادلون بربهم الأوثان والأصنام والشهوات والطواغيت إلا مجيء الملائكة لقبض أرواحهم أو مجيء الله تعالى للفصل يوم القيامة، أو خروج بعض آياته العظمى قبل ذلك، حين لا تنفع التوبة، فإنه إذا طلعت الشمس من مغربها لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا، قل - يا محمد - لهؤلاء المستكبرين عن الإيمان بالوحي والنبوة واليوم الآخر: انتظروا بعض ما يباغتكم به ربكم من تلك الأهوال، إنا منتظرو ذلك، ليثيبنا ربنا على طاعته وإفرادنا له بالألوهية والتعظيم، ويفصل بيننا وبينكم بالحق، وهو خير الفاصلين.

فقوله: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ}.

قال مجاهد: (تمامًا على المحسن المؤمن).

وقال محمد بن يزيد: (أي: تمامًا على الذي أحسنه الله عز وجل إلى موسى عليه السلام من الرسالة وغيرها). وقال الربيع بن أنس: (تمامًا على إحسان موسى من طاعته لله عز وجل). وقال قتادة: (من أحسن في الدنيا تمَّم له ذلك في الآخرة).

قال ابن كثير: ({تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ}، أي: آتيناه الكتاب الذي أنزلناه إليه تمامًا كاملًا جامعًا لجميع ما يُحتاج إليه في شريعته، كما قال: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. . .} الآية [الأعراف: 145]. وقوله: {عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ}. أي: جزاءً على إحسانه في العمل، وقيامِه بأوامرنا وطاعتنا، كقوله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60]، وكقوله: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا. . .} [البقرة: 124]، وقوله: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]).

ونصب {تَمَامًا} على أنه مصدر، أو على أنه مفعول لأجله - حكاه القرطبي وغيره.

وقوله: {وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ}.

أي: من أمر الشرائع، وما فيها من بيان الحلال والحرام.

قال قتادة: ({وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ}، فيه حلاله وحرامه).

وقوله: {وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ}.

يعني: تقويمًا لهم على الطريق المستقيم، وبيانًا لهم سُبل الرشاد والهدي المبين،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015