وقد مضى في الحديث السابق: [ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله، إلا سَلّطَ الله عليهم عدوًا من غيرهم، فاخذوا بعض ما في أيديهم].
وله شاهد عند الطبراني من حديث ابن عباس بلفظ: [خمسٌ بخمس: ما نقض قوم العهد إلا سُلِّطَ عليهم عدوهم] (?).
وقوله: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
أي: هذه وصية الله لكم أيها الناس، لعلكم تتذكرون عواقب الأمور، وانحراف مناهجكم لتنهضوا لإصلاحها، وتلتمسوا طاعة ربكم.
وقوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
وصية من الله بلزوم منهاج النبوة والحذر من رايات الفتن والبدع والدخن.
قال مجاهد: ({وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}: البدع والشبهات).
وقال ابن عباس: (أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله). قال: ({وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}، يقول: لا تتبعوا الضلالات).
أخرج الإمام أحمد في المسند بسند جيد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: [خطّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خَطًّا بيده، ثم قال: هذا سبيل الله مستقيمًا، وخطَّ عن يمينه وشماله، ثم قال: هذه السُّبُلُ ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه. ثم قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}] (?).
قال ابن كثير: (وقوله تعالى: {فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ}، إنما وَحَّدَ سبيله لأن الحق واحد، ولهذا جمع السبل لتفرقها وتَشَعُّبها، كما قال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)}).