مبالغة في نفي الهداية عنهم، لأن صيغة الفعل تقتضي حدوث الضلال، بعد أن لم يكن. فلذا أردف بهذه الحال، لبيان عراقتهم في الضلال، وإنما ضلالهم الحادث ظلمات بعضها فوق بعض) - ذكره القاسمي.
141 - 142. قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142)}.
في هذه الآيات: إعلام من الله سبحانه لهم ولكل خلقه عن جميل نعمه عليهم، في خلق الزروع والثمار والأنعام، ومما عَرَشَ الناس من الكروم أو رفعه الله وبناه، ومما أنشأ لهم سبحانه من النخل والزرع مختلفًا أكله وألوانه، ثم هم يقسمونه بأهوائهم ويجعلون منه حرامًا وحلالًا بعقولهم الفاسدة ويشركون بالله في التشريع، والله أحل لكم أكله والتمتع بثمره وما أمر بإخراج إلا الصدقة يوم حصاده، ونهى عن الإسراف وأخبر أنه لا يحب المسرفين. وهو الذي أنشأ لكم من الأنعام حمولة وفرشًا، كبار الإبل وصغاره، وأحل لكم ثمرات حروثكم وغروسكم ولحوم أنعامكم، فكلوا مما رزقكم سبحانه، ولا تخوضوا في متاهات القول على الله بغير علم، أو التشريع بوحي من الشيطان، فإنه لكم عدو مبين.
فقوله: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ}.
أي: أحدث بساتين من الكروم المعروشة التي ترفعونها، أو غير المعروشة التي يَبْنيها الله وينميها وينبتها في البر والجبال.
قال ابن عباس: (المعروشات: ما عرش الناس، وغير المعروشات: ما خرج في البر والجبال من الثمرات). وقال السدي: (أما {جَنَّاتٍ}، فالبساتين، وأما {مَعْرُوشَاتٍ}، فما عرش كهيئة الكَرْم). وعن عطاء: ({وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ}، قال: ما يُعْرَشُ من الكروم، {وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ}، قال: ما لا يعرش من الكرم).