قلت: وهذا الظلم الذي كان يقع على الأولاد والبنات في الجاهلية، قد أبكى النبي - صلى الله عليه وسلم -.

يروي الدارمي في أول "سننه" عن الوَضين: [أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! إنا كنا أهل جاهلية وعبادةِ أوثان، فكنا نقتل الأولاد، وكانت عندي ابنة لي، فلما أجابت، وكانت مسرورة بدعائي إذا دعوتها، فدعوتها يومًا، فاتبعتني، فمررت حتى أتيت بئرًا من أهلي غير بعيد، فأخذت بيدها فرديت بها في البئر، وكان آخر عهدي بها أن تقول: يا أبتاه! يا أبتاه! فبكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى وكف دمع عينيه، فقال له رجل من جلساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أحْزَنْتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! فقال له: كُفَّ، فإنه يسأل عما أَهَمَّهُ. ثم قال له: أعد عليَّ حديثك، فأعاده، فبكى حتى وكف الدمع من عينيه على لحيته، ثم قال له: إن الله قد وضع عن الجاهلية ما عملوا، فاستأنف العمل] (?).

وله شاهد عند الطبراني في "الأوسط" بسند حسن عن أبي ذر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [من أحسن فيما بقي، غُفِرَ له ما مضى. ومن أساء فيما بقي، أخِذَ بما مضى وما بقي] (?).

وأصله في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: [قال رجل يا رسول الله! أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ قال: من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر] (?).

وقوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ}.

قال ابن جرير: (ولو شاء الله أن لا يفعلوا ما كانوا يفعلون من قتلهم لم يفعلوه، بأن كان يهديهم للحق، ويوفقهم للسداد، فكانوا لا يقتلونهم، ولكن الله خذلهم عن الرشاد فقتلوا أولادهم، وأطاعوا الشياطين التي أغوتهم).

وقوله: {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}.

أي: فذرهم يا محمد وما كان من قسمهم الفاسد، وقتل أولادهم وتقوّلهم على الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015