والإنجيل يعلمون أن القرآن حق منزل من عند الله، فلا تكونن - يا محمد - من الشاكِّين فيما جاءك واثبت على الحق، فإنه قد كملت كلمة ربك من الصدق والعدل ولا تبديل لكلماته، وهو السميع لما يقوله هؤلاء، العليم بمصائرهم وما تؤول إليه أحوالهم في العاقبة والآخرة.
فقوله: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ}. أي: لتخبرهم بأن الرسل على الحق وَوَجَبَ الإيمان بهم. {وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى} - بإحيائنا إياهم. {وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ} سألوه من الآيات والمعجزات {قُبُلًا} مقابلة ومعاينة. {مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا} - قال ابن عباس: (وهم أهل الشقاء، ثم قال: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}، وهم أهل السعادة الذين سبق لهم في علمه أن يدخلوا في الإيمان).
وفي التنزيل:
1 - قال تعالى: {لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ. .} [الأنعام: 124].
2 - وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} [الفرقان: 21].
3 - وقال تعالى: {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا} [الإسراء: 92].
وقرأ قراء المدينة "قِبَلًا" بكسر القاف وفتح الباء، بمعنى: معاينة.
وقرأ عامة أهل الكوفة والبصرة "قُبُلًا" بضم القاف والباء. وفي ذلك ثلاثة أوجه من التأويل ذكرها ابن جرير.
التأويل الأول: وحشرنا عليهم كل شيء كُفلاء يكفلون لهم بأن الذي نعدهم على إيمانهم بالله إن آمنوا، أو نوعدهم على كفرهم بالله إن هلكوا على كفرهم، ما آمنوا إلا أن يشاء الله. فيكون "القبل" جمع "قبيل". والقبل هنا الضمناء والكفلاء.
التأويل الثاني: "القبل" بمعنى المقابلة والمواجهة. قال ابن عباس: (يقول: لو استقبلهم ذلك كله، لم يؤمنوا إلا أن يشاء الله). وقال ابن زيد: (حشروا إليهم جميعًا، فقابلوهم وواجهوهم). وقال عبد الله بن يزيد: (قرأ عيسى: "قُبُلًا" ومعناه عيانًا).
التأويل الثالث: "القبل" جمع "قبيل"، الذي هو جمع "قبيلة"، فيكون "القبل" جمع الجمع. قال مجاهد: ({قُبُلًا}، أفواجًا، قبيلًا قبيلًا).
وخلاصة المعنى: لو عرضت عليهم كل أمة بعد أمة، فتخبرهم بِصدق الرسل فيما