جاؤوهم به {مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}. فالهداية والقلوب بيد الله سبحانه وهو أعلم بمن يستحقها، كما قال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ}. وكما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: 96، 97].
وقوله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ}.
أي: هذه الحقائق عن القلوب وأمر الإيمان، واصطفاء الله من يشاء لعبادته والقيام بحمل لواء دينه، دون غيرهم من أعدائه وأعداء شرعه وأوليائه.
وقوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}.
قال ابن كثير: (يقول تعالى: وكما جعلنا لك - يا محمد - أعداءً يخالِفونَك ويعانِدُونك، جعلنا لكل نبي من قبلك أيضًا أعداءً، فلا يَهيدَنَّكَ ذلك، كما قال تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} [فاطر: 4]. وقال تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا} [الأنعام: 34]. . . الآية, وقال تعالى: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} [فصلت: 43]، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ} [الفرقان: 31]. الآية).
قال قتادة: ({شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ}: من الجن شياطين، ومن الإنس شياطين، يوحي بعضهم إلى بعض).
أخرج الإمام أحمد في المسند من حديث أبي ذر رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: [يا أبا ذر تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن. فقلت: أو للإنس شياطين؟ قال: نعم] (?).
قال ابن جرير: (وشياطين كل شيء مردته، ويكون الشيطان من الإنس والجن، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}).
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة. قالوا: وإياك