وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)}.

في هذه الآيات: أقسم هؤلاء المشركون العادلون بربهم أوثانهم وأصنامهم، فحلفوا بالله أَوْكَدَ الحلف وأَشَدَّ الأَيْمان، لئن جاءتهم آية تُصدق ما يقول محمد كما جاءت الأمم قبلهم ليؤمنن بها وأن محمدًا رسول من عند الله، فأجابهم ربهم سبحانه: هو القادر على إرسال ذلك دون كل أحد من خلقه، ولكن ما يدريكم أنها إذا جاءت سوف يؤمنون. إنه سبحانه هو يقلب أفئدتهم وأبصارهم ويصرفها كيف يشاء، وأن قلوبهم بيد الله لو شاء أقامها ولو شاء أزاغها، وأبصارهم بيده فلو شاء أعماها عن رؤية الحق ومعرفة مواضع الحجة، كما لم يؤمنوا - بتقليب الله لها قبل ذلك، ومن ثمَّ نذرهم في تمردهم وشكهم واعتدائهم يترددون ولا يهتدون.

فقوله: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ}.

أي: حلفوا بالله غاية أيمانهم التي بلغها علمهم، وانتهت إليها قدرتهم. وجَهْدُ اليمين أشدها. وهو بالله.

قال القاسمي: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} مصدر في موقع الحال. أي: أقسموا به تعالى جاهدين في أيمانهم، باذلين في توثيقها طاقتهم).

وقال القرطبي: (وذلك أنهم كانوا يعتقدون أن الله هو الإله الأعظم، وأن هذه الآلهة إنما يعبدونها ظنًا منهم أنها تقربهم إلى الله زلفى، كما أخبر عنهم بقوله تعالى: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3]. وكانوا يحلفون بآبائهم وبالأصنام وبغير ذلك، كانوا يحلفون بالله تعالى وكانوا يسمّونه جَهْد اليمين إذا كان اليمين بالله).

وقوله: {لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا}.

أي: معجزة وخارق، ليصدقنّها.

قال ابن جرير: (قالوا نقسم بالله لئن جاءتنا آية تصدق ما تقول، يا محمد، مثل الذين جاء مَنْ قبلنا من الأمم، {لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا}، يقول: قالوا: لنصدقن بمجيئها بك، وأنك لله رسولٌ مرسل، وأنّ ما جئتنا به حقٌّ من عند الله).

وقوله: {قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ}.

قال ابن كثير: (أي: قل - يا محمد - لهؤلاء الذين يسألونك الآيات تَعَنُّتًا وكفرًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015