وقوله: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ}.
كقول نوح عليه السلام حين ردّ على قومه مثل ذلك، قال تعالى في سورة الشعراء: {قَالوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قَال وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113)}.
والمعنى: إنما حسابهم على الله عز وجل، وليس عليّ من حسابهم شيء، كما أنه ليس عليهم من حسابي من شيء. ذكره القاسمي.
قال أبو السعود: (وذكر قوله تعالى: {وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ} مع إن الجواب قد تم بما قبله، للمبالغة في بيان انتفاء كون حسابهم عليه - صلى الله عليه وسلم -، بنظمه في سلك ما لا شبهة فيه أصلًا، وهو انتفاء كون حسابه عليه السلام، عليهم، على طريقة قوله تعالى: {لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}.
وقال النسفي: (وذلك أنهم طعنوا في دينهم وإخلاصهم، فقال: حسابهم عليهم لازم لهم لا يتعداهم إليك، كما أن حسابك عليك لا يتعداك إليهم).
وقوله: {فَتَطْرُدَهُمْ}.
جواب النفي وهو: "ما عليك من حسابهم".
وقوله: {فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ}.
جواب النهي، وهو قوله: {وَلَا تَطْرُدِ}. أو في موقع العطف على {فَتَطْرُدَهُمْ} على وجه التسبيب، لأن كونه ظالمًا مسبب عن طردهم.
وقوله: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا}.
قال ابن عباس: ({وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ}، يعني أنه جعل بعضهم أغنياء وبعضهم فقراء، فقال الأغنياء للفقراء: {أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا}، يعني: هداهم الله. وإنما قالوا ذلك استهزاء وسُخْرِيًّا).
فأجابهم سبحانه بهذه الآية التي تقرع العقول والقلوب وتفَهِّم بحث القدر: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ}.
أي: هو تعالى وحده الذي اطلع على قلوب عباده وعلم أعمالهم وكتب ذلك في اللوح المحفوظ كتابة علم لا كتابة جبر، فقسم الأعمال والأخلاق والأرزاق. فهدى