وفي التنزيل: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة: 17 - 18].

فالأصم الذي لا يسمع، والأبكم الذي لا يتكلم، وبذلك شبّه الله المكذبين بحججه وآياته في جهلهم وقلة علمهم وسوء فهمهم. قال القرطبي: (أي: عَدِموا الانتفاع بأسماعهم وأبصارهم، فكل أمة من الدواب وغيرها تهتدي لمصالحها والكفار لا يهتدون).

وقوله: {مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.

أي: هو سبحانه المتصرف في خلقه كما يشاء، فيهدي من يشاء منهم فضلًا، ويضل من يشاء منهم عدلًا، فهو وحده تبارك وتعالى الذي اطلع على قلوب عباده.

قال القاسمي: (فمن أحب هدايته، وَفَّقَهُ بفضله وإحسانه للإيمان، ومن شاء ضلالته تركه على كفره. {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40]).

قلت: ومفهوم ذلك أن الله سبحانه يعاقب العبد على حبه الضلال بقسوة القلب، ويجازي المؤمن على إيثاره طاعة ربه بالهداية والثبات.

أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن حذيفة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [تُعْرَضُ الفتنُ على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب أُشربها نكتت فيه نكتةٌ سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مُرْبدًا كالكوز مُجَخِّيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه] (?).

والصراط المستقيم هو طريق الحق الذي مشى عليه الرسل والصالحون وثبتهم الله عليه، حتى أكرمهم يوم القيامة بتجاوز الصراط إلى دار النعيم المقيم، جعلنا الله والمؤمنين الصادقين من أهل صراطه المستقيم.

40 - 45. قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015