فقد قضى سبحانه بعلمه وحكمته أن لا يجبر الناس على الإيمان، بل بسط لهم صفحات هذا الكون الفسيح يقرؤون فيها دلالات إفراده تعالى بالتكبير والتعظيم، ثم بسط لهم صفحات التنزيل الكريم، يقرؤون فيها عن أسمائه و. صفاته الحسنى، وآياته ونعمه العظمى، وخبر الأمم التي أهلكها الله بالكفر والكبر والعناد، وخبر المرسلين وأتباعهم المؤمنين، وما أعدّ الله لهم من النعيم المقيم، وما هيأ لأعدائه من العذاب المقيم. فالكتابة في اللوح المحفوظ عن كلٍّ من اختيار الفريقين مصيرَهم هي كتابة علم لا كتابة جبر أو قهر. وبذلك يفهم حديث الكتابين اللذين أخرجهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا أمام أصحابه:
فقد أخرج الإمام أحمد والنسائي بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: [خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي يده كتابان، فقال: أتدرون ما هذان الكتابان؟ قال: قلنا: لا، إلا أن تُخْبِرنا يا رسول الله. فقال للذي في يده اليمنى: هذا كتاب من رب العالمين، فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أُجْمِلَ على آخرهم، فلا يُزادُ فيهم ولا ينْقَصُ منهم أبدًا. ثم قال للذي في شماله: هذا كتاب من رب العالمين، فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقَصُ منهم أبدًا. فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فلأي شيء إذن نعمَلُ إن كان هذا أمْرًا قد فُرِغ منه؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: سدِّدُوا وقاربوا، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل، ثم قال بيده فقبضها، ثم قال: فرغ ربكم عزَّ وجلَّ من العباد، ثم قال باليمنى فنبذ بها فقال: فريق في الجنة، ونبذ باليسرى فقال: فريق في السعير] (?).
وقوله تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}.
قال مجاهد: ({إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ}، المؤمنون، للذكر، {وَالْمَوْتَى}، الكفار، حين يبعثهم الله مع الموتى).
وقال قتادة: (هذا مثل المؤمن، سمع كتاب الله فانتفع به وأخذ به وعقله. والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم، وهذا مثل الكافر أصم أبكم، لا يبصر هدى ولا ينتفع به).