قال النسفي: (أو في أهل الكتاب وأنه يظهر لهم ما كانوا يخفونه من صحة نبوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-).

قلت: وكل ما سبق يحتمله النظم الشريف وهو من وجوه إعجاز هذا القرآن العظيم، وإن كان التأويلان الأول والثاني من أقواها. وأضيف على ذلك فأقول: بدا لهم ما كانوا يخفونه من معرفة صدق الرسل وصدق التنزيل وحقيقة النار التي وُعد بها الكافرون وقد دعتهم الرياسة والكبر وحب العلو في الأرض وحظوظ النفس والشهوات إلى إخفاء ذلك ومحاربته في أقوامهم لتكون لهم الكلمة في الدنيا والكبرياء، فلما عاينوا ذلك يوم القيامة وأبصروا النار التي ودفوا عليها وشعروا بلهيبها على أجسامهم تَمَنَّوا الرَّجْعَةَ والتصديق لا التكذيب الذي أوردهم هذا المصير الشقي، وهنا بدا لهم ما أخفوه -ليتأكد قوله تعالى بعدها: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}. أي: إن الذي دعاهم إلى إخفاء ما أخفوه لم يختلف، فإنه ما بهم حب الله ودينه ورسوله، وإنما بهم ألم جهنم، ومن ثمّ فلو كتب الله لهم العودة إلى الدنيا لتجاوزوا مرة أخرى صدق المرسلين إلى تعظيم أهوائهم وشهواتهم- وإنهم لكاذبون.

فقوله: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}.

هو من علم الله سبحانه الذي اختص به نفسه ولا يشاركه فيه أحد، فإنه يعلم سبحانه ما كان وما يكون وما سيكون، وما لن يكون- لكن إن قُدِّر أن يكون كيف سوف يكون.

قال قتادة: ({وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ}، يقول: ولو وصل الله لهم دنيا كدنياهم، لعادوا إلى أعمالهم أعمال السوء).

قال شيخ المفسرين -الإمام ابن جرير- رحمه الله: (لأنهم قالوه حين قالوه خشية العذاب، لا إيمانًا بالله). أي: ما بهم الأسى والندم على ترك الإيمان بالله والتصديق برسله، بل هو إشفاق مما هو نازل بهم من عقاب الله وأليم عذابه.

وقوله تعالى: {وَقَالوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ}.

قال القرطبي: (أي: لعادوا إلى الكفر، واشتغلوا بلذة الحال).- ولأنكروا المعاد.

وقوله: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ}.

قال الجلال: (أي: عرضوا عليه). وقال ابن جرير: ({إِذْ وُقِفُوا}، يوم القيامة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015