الآخرة، التي أخفوها في الدنيا). وقال قتادة: ({بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ}، قال: من أعمالهم).
قال ابن كثير: (أي: بل ظهر لهم حينئذ ما كانوا يُخفون في أنفسهم من الكفر والتكذيب والمعاندة، وإن أنكروها في الدنيا، أو في الآخرة كما قال قبل هذا بيسير: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}).
التأويل الثاني: بل ظهر حينئذ ما كانوا يعلمونه من أنفسهم من صِدْق ما جاءت به الرسل في الدنيا، وإن كانوا يُظهرون لأتباعهم خلافه.
قال القرطبي: (وقيل: المعنى بل ظهر للذين اتبعوا الغُواة ما كان الغُواة يخفون عنهم من أمر البعث والقيامة).
وهذا المعنى كما جاء فيِ القرآن من خبر موسى عليه السلام حين قال لفرعون: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ .. } [الإسراء: 102]. وقال تعالى مخبرًا عن فرعون وقومه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}.
التأويل الثالث: المراد المنافقون، كانوا يظهرون للناس الإيمان ويبطنون الكفر.
أي: يظهر نفاقهم الذين كانوا يسرونه. قال القاسمي: (ولا ينافي هذا كون السورة مكية، والنفاق إنما كان من بعض أهل المدينة، ومن حولها من الأعراب بعد الهجرة. لأن الله تعالى ذكر وقوع النفاق في سورة مكية وهي العنكبوت، فقال: {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ}).
التأويل الرابع: بل بدا لهم ما كانوا يخفونه في الدنيا- النار التي وقفوا عليها.
ذكره العلامة أبو السعود، واعتبر أن النار هي التي سيق الكلام لتهويل أمرها، والتعجيب من فظاعة حال الموقوفين عليها، و (بإخفائها) تكذيبهم بها، فإن التكذيب بالشيء كفر به، وإخفاء له لا محالة. ثم قال: (وإيثاره على صريح التكذيب الوارد في قوله عز وجل: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ} [الرحمن: 43]، وقوله تعالى: {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [الطور: 14]، مع كونه أنسب بما قبله من قولهم: {وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا .. } [الأنعام: 27] لمراعاة ما في مقابلته من البدو. هذا هو الذي تستدعيه جزالة النظم الكريم).
التأويل الخامس: بل هو في أهل الكتاب، يظهر لهم ما كتموه في كتبهم.