أي: حبسوا). وقال ابن كثير: (أي: أوقفوا بين يديه). وقال النسفي: (مجاز عن الحبس للتوبيخ والسؤال كما يوقف العبد الجاني بين يدي سيده ليعاقبه، أوْ وُقِفُوا على جزاء ربهم). قلت: وكلها معان متقاربة متكاملة في إظهار آفاق المعنى.
وقوله: {قَال أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ}.
أي: أليس هذا المعاد -الذي أنكرتم وكذبتم في الدنيا- حقًّا؟
فأجابوه: {قَالوا بَلَى وَرَبِّنَا}.
أي: بلى والله إنه لحق. قال القاسمي: (أكدوا اعترافهم باليمين إظهارًا لكمال يقينهم بحقيّته، وإيذانًا بصدور ذلك عنهم بالرغبة والنشاط، طمعًا في نفعه).
فأجابهم مهينًا لهم قاطعًا كل أمل في نفوسهم بالنجاة أو العودة: {قَال فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}.
أي: ذوقوا مسَّ العذاب الذي أنكرتم أو أخفيتم مقابل الكبر في الأرض وتعظيم الأهواء والشهوات وكبت المؤمنين ورفع شأن المجرمين الملحدين.
وفي التنزيل: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَال اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} [المؤمنون: 105 - 111].
وفي التنزيل -كذلك-: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر: 37].
أخرج الترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة، وعن أبي سعيد قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: [يُؤتى بالعبد يوم القيامة فيقولُ له: ألمْ أجْعَلْ لك سمعًا وبصرًا ومالًا وولدًا وسخرت لك الأنعامَ والحرثَ، وتَرَكْتُكَ تَرْأَس وتَرْبعُ فكنت تَظُنُّ أنكَ مُلاقيَّ يومَكَ