نفسه، فعلم من كان يقول في عيسى ما يقول: أنه إنما كان يقول باطلًا).

وقوله: {قَال سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ}.

قال القرطبي: (وبدأ بالتسبيح قبل الجواب لأمرين، أحدهما -تنزيهًا له عما أضيف إليه الثاني- خضوعًا لعزته، وخوفًا من سَطْوتِه. ثم قال: {مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ}: أي: أن أدعي لنفسي ما ليس من حقها، يعني أنني مربوب ولست برب، وعابد ولست بمعبود).

ثم قال: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}.

قال النسفي: (إن صح أني قلته فيما مضى فقد علمته، والمعنى أني لا أحتاج إلى الاعتذار لأنك تعلم أني لم أقله، ولو قلته لعلمته لأنك {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي} ذاتي {وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} ذاتك).

ولا شك أن الله سبحانه أراد بذلك السؤال تنزيه نبيِّه عيسى عليه الصلاة والسلام أمام الخلائق يوم القيامة مما نسب إليه المدعون الانتساب إليه من أهل الكتاب، وليكون ذلك تقريعًا بالحجة والبرهان من كلام عيسى -صلى الله عليه وسلم- لمن ارتضى واتخذه إلهًا من دون الله تعالى.

وقوله: {إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116)}.

أي: ما كان وما يكون، وما لم يكن، وما هو كائن، وما لن يكون، ولكن إن قُدّر له أن يكون كيف سوف يكون.

وقد بسطت القول في ذلك في أبحاث القدر ضمن كتابي: أصل الدين والإيمان، عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فلله الحمد والمنة.

وقوله: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ}.

أي: ما دعوتهم إلا إلى توحيدك وتعظيمك وإفرادك بالطاعة والعبادة والحاكمية والتشريع، فزَلّ قوم منهم بعدي واتبعوا سبل الشياطين فصدوهم عن سبيلك وهديك.

ولذلك قال: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)}.

أخرج البخاري ومسلم وبعض أصحاب السنن عن ابن عباس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015