مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَال اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالمِينَ (115)}.

في هذه الآيات: ذِكْرُ قصة المائدة التي بها تسمى هذه السورة، يقول تعالى: واذكر يا عيسى كذلك من جملة نعمي عليك، حين أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي، إذ قالوا لعيسى بن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء، فأجابهم عيسى عليه الصلاة والسلام مستعظمًا لما قالوه: اتقوا الله إن كنتم مؤمنين، وأمرهم بالتوبة والاستغفار من مغبة ما قالوا. فأجابوه أنهم قالوا ذلك رغبة في الأكل من تلك المائدة ليزدادوا يقينًا وإيمانًا بالله وقدرته وجبروته. فهنالك دعا عيسى ربه وسأله مائدة تنزل عليهم من السماء فيكون ذلك اليوم يومًا عظيمًا في حياتهم وحياة من بعدهم يتذكرون به صفات الله وكرمه عليهم وأياديه الحسنى فيزدادون بذلك عبادة له وتعظيمًا. فاستجاب الله تعالى دعاء نبته عليه السلام وأنزل المائدة وتوعّد من كفر بعد هذه الآية العظيمة عذابًا ما عاقبه أحد قبل ذلك.

قوله تعالى: {إِذْ قَال الْحَوَارِيُّونَ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَال اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.

فلقد سأل الحواريون عيسى بن مريم -جهلًا منهم- بقولهم ذلك وآفاق مدلولاته، فهم بلفظهم الذي اختاروه كأنهم يجهلون أن الله على كل شيء قدير، ومن كذّب بقدرة الله فهو كافر، ولكن الجهل كان عذرًا لهم عند الله ورسوله عليه السلام.

قال ابن جرير: (قال عيسى للحواريين: راقبوا الله، أيها القوم، وخافوه، أن يَنْزِلَ بكم من الله عقوبة على قولكم هذا، فإن الله لا يعجزه شيء أراده. وفي شكّكم في قدرة الله على إنزال مائدة من السماء، كفرٌ به، فاتقوا الله أن يُنْزِل بكم نقمته).

قلت: وهذه الآية دليل صريح أن الجاهل معذور بجهله. فإن من ثبتَ له الإسلام لا يُنْزَعُ منه إلا بما ينقُضُ الإسلام، ومن ثم فإن القصد والنية شرط صحة الأعمال، فالجاهل الذي صدر منه ما ينقض إيمانه ولم يقصد ذلك معذور إلى أن يحصل له العلم والبيان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015