وقوله تعالى: {قَالوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113)}.
تأكيدُ أنَّ ما قالوه أرادوا به زيادة الإيمان والثبات على الصدق، والإخلاص بمتابعة عيسى عليه السلام. فقالوا: {نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا}: أي: لننال بركتها لا لحاجة دعتهم إليها. وهذا تفسير أقرب من التفسير الذي ذهب إليه آخرون أنهم قالوا ذلك لحاجتهم إلى الأكل منها.
وقوله: {وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا}.
أي: إذا شاهدنا نزولها، وتمتعنا بهذا الرزق المباشر من الله تعالى من السماء.
وذكر الماورديّ أن تأويل ذلك يحتمل ثلاثة أوجه:
1 - تطمئن قلوبنا إلى أن الله تعالى قد بعثك إلينا نبيًّا.
2 - تطمئن قلوبنا إلى أن الله تعالى قد اختارنا لدعوتنا.
3 - تطمئن قلوبنا إلى أن الله تعالى قد أجابنا إلى ما سألناه.
وقال الثعلبي: (نستيقن قدرته فتسكن قلوبنا).
وقال المهدويّ: (أي: تطمئن بأن الله قد قبل صومنا وعملنا) ذكره القرطبي.
قلت: وكل ما سبق يدخل في آفاق قوله تعالى عنهم: {وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا}، فإن طمأنينة القلب بالإيمان وبرضى الرحمان هي غاية سعادة العبد في الدنيا قبل الآخرة. قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].
قال قتادة: (يقول: سكنت إلى ذكر الله واستأنست به). وقال ابن جرير: (ألا بذكر الله تسكن وتستأنس قلوبُ المؤمنين).
أخرج الإمام أحمد في المسند بسند صحيح، عن أبي ثعلبة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [البِرُّ ما سكنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما لم تسكن إليه النفس ولم يطمئن إليه القلب، وإن أفتاك المفتون] (?).