فأعظم منه الغفلة عنه، والإعراض عن ذكره، وترك التفكر فيه، وترك العمل له، وإن فيه وحده لعبرة لمن اعتبر، وفكرة لمن تفكر).

وقوله: {تَحْبِسُونَهُمَا}.

صفة لآخران. واعترض بين الصفة والموصوف بقوله: {إِنْ أَنْتُمْ}. وهذه الآية أصل في حبس من وجب عليه.

قال الخطابي: (الحبس على ضربين: حبس عقوبة، وحبس استظهار. فالعقوبة لا تكون إلا في واجب، وأما ماكان في تهمة فإنما يستظهر بذلك ليستكشف به ما وراءه).

وعن ابن سيرين قال: (كان شُريح إذا قضى على رجل بحق أمر بحبسه في المسجد إلى أن يقوم، فإن أعطاه حقه وإلا أمر به إلى السجن) رواه معمر عن أيوب عنه.

قال القرطبي: (والحقوق على قسمين: منها ما يصلح استيفاؤه معجّلًا، ومنها ما لا يمكن استيفاؤه إلا مؤجَّلًا، فإن خُلّي مَنْ عليه الحق غاب واختفى وبطل الحق وتوِي (?) فلم يكن بدّ من التوثق منه، فإما بعِوض عن الحق وهو المسمى رهنًا، وإما بشخص ينوب منابه في المطالبة والذمة وهو الحمِيل (?)، وهو دون الأول؛ لأنه يجوز أن يغيب كمغيبه ويتعذر وجوده كتعذره، ولكن لا يمكن أكثر من هذا، فإن تعذرا جميعًا لم يبق إلا التوثق بحبسه حتى تقع منه التوفية لما كان عليه من حق، أو تبيّن عسرته.

قال: فإن كان الحق بَدَنِيًّا لا يقبل البدل كالحدود والقصاص ولم يتفق استيفاؤه معجّلًا، لم يكن فيه إلا التوثق بسجنه، ولأجل هذه الحكمة شرع السجن، روى أبو داود والترمذي وغيرهما عن بَهْزِ بن حكيم عن أبيه عن جده: [أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حبس رجلًا في تهمة] (?). وروى أبو داود عن عمرو بن الشَّريد عن أبيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015