السبب الثالث: أخرج الطبري عن أبي هريرة - بسند رجاله ثقات - قال: [خطبنا رسول - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا أيها الناس كتب الله عليكم الحج. فقام محصن الأسدي فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال: أما أني لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت ثم تركتم لضللتم، اسكنوا عن ما سكت عنكم فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فأنزل الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} إلى آخر الآية] (?).

فهذه ثلاثة أسباب للنزول مسندة صحيحة، والحاصل أنَّها نزلت بسبب كثرة المسائل إما على سبيل الاستهزاء والامتحان، وإما على سبيل التعنت عن الشيء الذي لو لم يسأل عنه لكان على الإباحة.

وقوله: {وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ}.

قال ابن عباس: (يقول: لا تسألوا عن أشياء إن نُزِّل القرآن فيها بتغليظ ساءكم ذلك، ولكن انتظروا، فإذا نزل القرآن فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتم تبيانه).

وقد جاءت السنة الصحيحة بآفاق هذا المعنى، في أحاديث:

الحديث الأول: أخرج البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [إن أعظم المسلمين جُرْمًا مَنْ سأل عَنْ شيء لم يُحَرَّم فَحُرِّمَ من أجل مسالته] (?).

الحديث الثاني: أخرج البخاري عن أبي موسى الأشعري قال: [سئِل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أشياء كرِهَها، فلمّا أكثروا عليه المسألة غضب وقال: "سلوني" فقال رجل فقال: يا رسول الله، مَنْ أبي؟ قال: أبوك حُذافَةُ. ثم قام آَخرُ فقال: يا رسول الله، مَنْ أبي؟ فقال: أبوك سالِمٌ مولى شَيْبَةَ. فلما رأى عُمَرُ ما بوجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الغضب قال: إنا نتوب إلى الله عز وجلّ" (?).

الحديث الثالث: أخرج البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه: [أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015