فحمل أبو قتادة على الحُمُرِ فَعَقَر منها أتانًا فنَزَلوا فأكلوا من لَحْمِها وقالوا: أنأكل لحم صَيْدٍ ونحن محرمون! فَحَمَلْنا ما بقي مِنْ لحم الأتان، فلما أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: يا رسول الله إنا كنا أحْرَمنا وقد كان أبو قتادة لم يُحْرِم، فرأينا حُمُرَ وَحْشٍ فحمل عليها أبو قتادة فعَقَر منها أتانًا فنزَلْنا فأكلنا من لحمها ثم قلنا: أنأكل لحْمَ صيدٍ ونحن محرمون، فحملنا ما بقي من لحمها. قال: أمِنْكم أحدٌ أمَرَهُ أن يحمل عليها أو أشار إليها؟ قالوا: لا، قال: فكلوا ما بقي من لحمها] (?).
فالذى أشكل على الصحابة أنهم حرم وقد اصطاد لهم أبو قتادة حمارًا وحشيًا فأكل بعضهم وامتنع بعض، فلما التقوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في موضع يُقال له (السقيا) على مئة وثمانين كيلًا من المدينة، سألوه فأذن لهم بأكله ما داموا لم يشتركوا في صيده ولم يشيروا أو يعينوا عليه.
وقوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.
قال القرطبي: (تشديد وتنبيه عقب هذا التحليل والتحريم، ثم ذكر بأمر الحشر والقيامة مبالغة في التحذير).
وقوله: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ}.
وفيه أقوال متكاملة:
1 - قال ابن عباس: (قيامها، أن يأمن من توجّه إليها). وقال: (يعني قيامًا لدينهم، ومعالم لحجهم).
2 - وقال مجاهد: (إنما سميت {الْكَعْبَةَ} لأنَّها مربعة، {قِيَامًا لِلنَّاسِ} قال: قوامًا للناس). وقال: (حين لا يَرْجون جنة ولا يخافون نارًا، فشدّد الله ذلك بالإسلام).
3 - وقال قتادة: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ}: حواجز أبقاها الله بين الناس في الجاهلية، فكان الرجل لو جَرَّ كل جريرة ثم لجأ إلى الحرم لم يتناول ولم يُقرب. وكان الرجل لو لقي قاتل أبيه في الشهر الحرام لم يعرض له ولم يقربه. وكان الرجل إذا أراد البيت تقلد قلادةً من شعر فأحمته ومنعته من