ما في السماوات وما في الأرض بالله قيّمًا ومدبّرًا ورازقًا، من الحاجة معه إلى غيره.
قال الربيع: (صاروا فريقين: فريق غَلوا في الدين، فكان غلوهم فيه الشك فيه والرغبة عنه، وفريق منهم قصّروا عنه، ففسقوا عن أمر ربهم).
وأصل الغلو في لغة العرب مجاوزة الحد. وهذا واقع في النصارى إذ تجاوزوا الحد في أمر عيسى فرفعوه من مرتبة النبوة لمرتبة الألوهية، وغلوا في أتباعه فنسبوا العصمة لهم. كما قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31].
أخرج البخاري في صحيحه، وأحمد في مسنده، عن ابن عباس، عن عمر، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [لا تُطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم. فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله] (?).
فحذّر النبي - صلى الله عليه وسلم - من سلوك سبيلهم بالغلو في المدح، والمبالغة في الإطراء.
وأخرج الإمام أحمد والنسائي بسند صحيح عن أنس بن مالك: [أن رجلًا قال: يا محمد، يا سيدَنا وابن سيِّدنا، وخَيْرَنا وابن خيرنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيها الناس عليكم بقولكم ولا يستهوينَّكُم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله، والله ما أحِبُّ أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل] (?).
وقوله: {وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ}. أي: لا تتجرؤوا على الله بوصفه بغير صفاته سبحانه، فلا تنسبوا له صاحبة ولا ولدًا ولا غير ذلك مما يسخطه سبحانه، تنزهت أسماؤه وصفاته، وتفرّد با لتعظيم والوحدانية والتقديس والكبرياء.
وقوله: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ}.
قال قتادة: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ}: هو قوله: "كن"، فكان).
وقوله: {وَرُوحٌ مِنْهُ}. قال مجاهد: (ورسول منه). وقال غيره: (ومحبة منه).
وقال غيره: (ورحمة منه).
وخلاصة المعنى: أي إنَّ عيسى عليه الصلاة والسلام مخلوق من روح مخلوقة،