أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)}.
في هذه الآيات: أَمْرٌ مِنَ الله عباده بإقامة العدل والقسط وأداء الشهادة ابتغاء وجه الله دون تحريف أو كتمان، وإن كانت الشهادة على الوالدين أو الأقربين أو على غني أو فقير، فإياكم والهوى أو التحاكم إلى العواطف وميل النفس فإن فعلتم نالكم الوعيد والتهديد. ثم أَمْرٌ للمؤمنين بالاستمرار على منهج الإيمان والثبات عليه فإن منْ كفر به أو حاد عنه فقد سلك سبيل الضلال يعقبه الهلاك.
قال قتادة: ({يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} الآية، هذا في الشهادة. فأقم الشهادة، يا ابن آدم، ولو على نفسك، أو الوالدين، أو على ذوي قرابتك، أو شَرَفِ (?) قومك، فإنما الشهادة لله وليست للناس، وإن الله رضي العدل لنفسه، والإقساط والعدل ميزان الله في الأرض، به يردّ الله من الشديد على الضعيف، ومن الكاذب على الصادق، ومن المبطل على المحق).
وقال ابن زيد: (لا يحملك فقرُ هذا على أن ترحمه فلا تقيم عليه الشهادة. قال: يقول هذا للشاهد).
وقوله: {فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا}. أي عن الحق، فتجوروا. وفيه ثلاثة أقوال متقاربة:
1 - إن عدلتم عن الحق كنتم من الجائرين ممن يتبع الهوى.
2 - لا تتبعوا أهواء نفوسكم هربًا من القسط في إقامة الشهادة.
3 - لا تتبعوا الهوى لتعدلوا، بمعنى النهي عن ذلك لأجل إقامة العدل.
والخلاصة: نهي عن اتباع الهوى وتقديم العصبية والتحاكم إلى العاطفة عند الحكم، فإن ذلك يباعد من القسط وإقامة العدل. وفي التنزيل: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ}.