فقوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}.
قال ابن جرير: (ولله جميع مُلك ما حوته السماوات السبع والأرضون السبع من الأشياء كلها. وإنما ذكر جل ثناؤه ذلك بعقب قوله: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ}، تنبيهًا منه خلقَه على موضع الرغبة عند فراق أحدهم زوجته، ليفزعوا إليه عند الجزع من الحاجة والفاقة والوَحشة بفراق سكنه وزوجته، وتذكيرًا منه له أنه الذي له الأشياء كلها، وأن من كان له ملك جميع الأشياء، فغير متعذر عليه أن يغنيه وكلَّ ذي فاقة وحاجة، ويؤنس كلَّ ذي وحشة).
وقوله: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}.
التقوى عماد كل أمر، وعنوان كل عمل، فبدونها يهزل العمل ويصبح صورة وحركة بلا مضمون. قال تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ}. وقال جل ذكره: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}.
والتقوى حالة في القلب يرجح بها تعظيم أمر الله ومحابه، فتنعكس بالخوف منه سبحانه على أعمال الجوارح. وقد أورد الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان قول ابن عمر رضي الله عنه: (لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدر).
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقِرُه، التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات ... ] (?).
ولأهمية التقوى، أوصى الله بها أهل الكتاب قبلنا -أهل التوارة والإنجيل- كما أوصانا بها، "اتقوا الله" أي احذروا الوقوع في ما يسخطه ويغضبه.
وقوله: {وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا}.
أي: إن كفرتم فلا تضرون بخلافكم وصيته سبحانه، ورضاكم بالكفر إلا أنفسكم فالله ملك هذا الكون الفسيح ذي السماوات السبع والأرضين السبع.