نَقِيرًا (124) وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا}.
في هذه الآيات: تأكيدٌ على مجازاة الذنوب والخطايا في الدنيا والآخرة وما يدفع الله أكثر، وترغيب في اتباع الخطايا بالتوبة والعمل الصالح، فإنّ ذلك من أحسن ما يعالج به الزلل، ثم تنبيه لثواب الإخلاص لله في المنهج واتباع ملة التوحيد ملة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فهو أعلى مقامات العمل، والله له كل ما في هذا الكون الفسيح، وهو محيط بكل شيء، قد وسع كل شيء علمًا.
يروي ابن جرير بسنده عن مسروق قال: (تفاخر النصارى وأهل الإسلام، فقال هؤلاء: نحن أفضل منكم! وقال هؤلاء: نحن أفضل منكم! قال: فأنزل الله: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ}.
وكذلك روى عن قتادة قال: (ذكر لنا أن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا، فقال أهل الكتاب: نبيُّنا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم، ونحن أولى بالله منكم! وقال المسلمون: نحن أولى بالله منكم، نبيُّنا خاتم النبيين، وكتابنا يقضي على الكتب التي كانت قبله! فأنزل الله: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}، إلى قوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}، فأفلج الله حُجَّة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان).
وذكر عن السدي نحوه وفي آخره: (ثم فضل الله المؤمنين عليهم فقال: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}.
ثم قال ابن جرير: (إنما هو خبر من الله عن أماني أولياء الشيطان. وما إليه صائرة أمانيهم، مع سيِّئ أعمالهم من سوء الجزاء، وما إليه صائرة أعمال أولياء الله من حسن الجزاء. وإنما ضمّ جل ثناؤه أهل الكتاب إلى المشركين في قوله: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ}، لأن أماني الفريقين من تمنية الشيطان إياهم التي وعدهم أن يمنِّيهموها بقوله: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ}).
وقوله: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}. أي كل من عمل سوءًا صغيرًا أو كبيرًا من مؤمن أو كافر، جوزي به. وفي هذا المعنى أحاديث: