وقوله: {وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا}. قال قتادة: (تَمَرَّدَ على معاصي الله).
والمقصود أنه متمرد على الله بمخالفة أمره وتكبّره وغروره.
وقوله: {لَعَنَهُ اللَّهُ}. أي: أخزاه وأقصاه وأبعده من كل خير، فهو ملعون رجيم.
وقوله: {وَقَال لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا}. قال الضحاك: (معلومًا).
فالشيطان أخذ على نفسه إذ أبعده الله إغواء ذرية بني آدم حسدًا وعلوًا وبغيًا، بتزيين الضلالة لهم حتى يزيلهم عن منهج طريق الهدى ويركبوا طريق الضلال، فمن اتبع ذلك فهو من نصيبه المعلوم، وحَظِّهِ المقسوم، ويكون قد صدّق بذلك ظن إبليس وأمانيه إذ رضي لنفسه أن يكون جزءًا من حظ أماني إبليس اللعين.
وقوله: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ}. أي: لأصدنهم عن الطريق، ولأزيغنهم بالأماني الكاذبة التي تملأ نفوسهم.
وقوله: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ}. قال قتادة: (البتك في البحيرة والسائبة، كانوا يبتكون آذانها لطواغيتهم). وقال السدي: (فيشقونها، فيجعلونها بحيرة).
وقال عكرمة: (دينٌ شرعه لهم إبليس، كهيئة البحائر والسُّيَب).
والمقصود: تشقيق آذان بعض الأنعام وجعلها علامة وَسِمَةً للبحيرة والسائبة والوصيلة. فكانت العرب في الجاهلية إذا أنتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر شقوا أذنها وأعفوا ظهرها من الركوب والحمل والذبح، ولا تمنع عن ماء ولا مرعى، وإذا لقيها المعيي المنقطع به لم يركبها. وهذه هي البحيرة.
وأما السائبة: فهي الناقة تسيّب للأصنام لنحو بُرْء من مرض أو نجاة في حرب.
وسيأتي تفصيل ذلك في آية المائدة إن شاء الله.
وقوله: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}. قال ابن عباس: (يعني بذلك خصاء الدواب). وقال الحسن: (الوشم). وقال مجاهد: (الفطرة، دين الله).
قلت: وكل ما يجري اليوم من عمليات التجميل والوشم والنمص وتغيير لون البشرة وتفليج الأسنان للحسن وغير ذلك مما يشير إلى عدم الرضا عن الله في خلقه داخل في مفهوم هذه الآية ووعيدها.