سماواتٍ، وهكذا بقيَّةُ المعلوماتِ لا نحيطُ بها عِلْماً إلاَّ بما شاءَ اللهُ، حتى المعلوماتِ التي بينَ أيدينا يجهلُها كثيرٌ منَّا، إلاَّ إذا شاءَ أنْ نَصِلَ إلى عِلْمِها، ففي الإنسانِ أشياءٌ لم يصلوا إليها حتى الآنَ، وكانوا يَصِلُونَ إليها شيئاً فشيئاً.
فصارتِ الآيةُ شاملةً للمعنيينِ جميعاً، فنحنُ لا نعلمُ شيئاً مما يَعْلَمُهُ اللهُ، حتى فيما يتعلقُ بنا أنفسنا، إلاَّ ما شاءَ اللهُ. كما أنَّنَا لا نحيطُ بشيءٍ يتعلَّقُ بذاتِه وصفاتِه إلاَّ بما شاءَ» (?).
وهذا هو الحقُّ والصَّوابُ، لا أنْ تُقْصَرَ الآيةَ على معنى ويُنْكَرَ ما تحتملُهُ بسببِ معتقدٍ فاسدٍ، ورأيٍ مناقضٍ لما كانَ عليه سلفُ الأمةِ.
ويقربُ منْ هذا أنْ يكونَ للَّفظِ في مدلولِه أكثرَ من أصلٍ في إطلاقِ اللُّغةِ؛ مثلَ لفظِ الحكيمِ، يشملُ لفظَ العلمِ، فكلُّ حكيمٍ عليمٌ، وليسَ كلُّ عليمٍ حكيماً، وكذا لفظُ الخبيرِ يشملُ العليمَ، غيرَ أنَّ في معنى الخبيرِ زيادةٌ في الدلالةِ، وهي العلم ببواطنِ الأمورِ، وهكذا.
ومنَ الأمثلةِ التي وقعَ فيها الاقتصارُ على أحد الأصلينِ في معنى اللَّفظِ دونَ غيرهِ، ما وقع من المعتزلةِ في تفسيرِ لفطِ الإذنِ في بعضِ مواطِنه منَ القرآن، ومن ذلك قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 166]، قال الرُّمَّانِيُّ (ت: 384): «ويقالُ ما معنى الإذنِ هنا؟
الجوابُ فيه قولانِ، الأول: ... الثاني: بإذن اللهِ: بعلمِ اللهِ، منه قوله تعالى: {فَاذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ} [البقرة: 279]، و {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3]، و {آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيْدٍ} [فصلت: 37]» (?).