والمرادُ بذلكَ: أنهم لا يحيطونَ بشيءٍ منْ معلوماتِه إلاَّ بما شاءَ أنْ يُعْلِمَهُمْ أو يدلَّهم عليه» (?).
وقال ابنُ عَطِيَّةَ (ت:542): «قوله: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيءٍ مِنْ عِلْمِهِ}، معناه: معلوماته. وهذا كقولِ الخَضِرِ لموسى عليهما السلام ـ حينَ نَقَرَ العصفورُ منْ حرفِ السَّفينةِ ـ: ما نقصَ علمي وعلمُك منْ عِلْمِ اللهِ، إلاَّ كما نقص هذا العصفورُ منْ هذا البحرِ (?)، فهذا وما شاكَلَهُ راجعٌ إلى المعلوماتِ؛ لأنَّ عِلْمَ اللهِ تعالى الذي هو صِفَةُ ذاتِهِ لا تَتَبَعَّضُ، ومعنى الآيةِ: لا معلومَ لأحدٍ، إلاَّ ما شاءَ اللهُ أنْ يُعْلِمَهُ» (?).
وليسَ قَصْرُ معنى «بعلمه» على معنىً واحدٍ بصوابٍ، بلِ الآيةُ تحتملُ الأمرينِ معاً، ولا تعارضَ بينهما، والأولُ يستلزمُ الثاني. قالَ الشيخُ ابنُ عُثيمِينَ (ت:1421): «وعِلْمُ في قولِه: {عِلْمِهِ} مصدرٌ يحتملُ أنَّه على بابهِ، ويحتملُ أنَّه بمعنى: معلومٍ؛ أي: لا يحيطونَ بشيءٍ مما يعلمُهُ اللهُ، إلاَّ بما شاءَ أنْ يُعْلِمَهُمْ إيَّاهُ، هذا احتمال.
واحتمالٌ ثانٍ: ولا يحيطونَ بشيءٍ منْ عِلْمِهِ؛ أي: من علمِهِم نفسَهُ وصفاتهِ؛ يعني أنهم لا يحيطونَ بشيءٍ يعلمونَه في نَفْسِ اللهِ، أو في صفاتِه إلاَّ بما شاءَ؛ كما قال تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [البقرة: 255]، {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110]، فالآيةُ محتملةٌ للمعنيينِ جميعاً، وكلاهما صحيحٌ باعتبارِ الآيةِ، فنحنُ لا نعلمُ شيئاً منْ ذاتِ اللهِ أو صفاتِهِ إلا بما شاءَ عِلْمَنَا بهِ، فهو الَّذي أعْلَمَنَا أنَّه استوى على العرشِ، وهو الذي أَعْلَمَنَا على لسانِ رسولِه أنَّه ينزلُ إلى السَّماءِ الدُّنيا، وهكذا بقيةُ صفاتِهِ لا نعلمُها إلاَّ بما شاءَ.
وكذلكَ معلوماتُهُ التي يعلمُها في السَّماواتِ وفي الأرضِ، لا نعلمُها إلاَّ بما شاءَ، فهو الذي أَعْلَمَنَا أنَّ هناكَ ملائكةٌ، وهو الذي أَعْلَمَنَا أنَّ هناكَ سبعُ