وفى قوله تعالى: «عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ» التفات للمؤمنين واستحضار لهم، ليكونوا فى مواجهة هذا الحكم، وليؤخذ إقرارهم به، وما عليه المؤمنون هو العافية التي كانوا فيها قبل أن يبتلوا بلقاء الكافرين وجهادهم.
وقوله تعالى: «حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ» أي حتى يقع هذا الصدام بين المؤمنين والكافرين، وحتى تنكشف أحوالهم، ويعرف الصابرون وغير الصابرين، ومن كان إيمانهم بالله خالصا صادقا، ومن كان إيمانهم على نفاق ودخل.. وعلم الله سبحانه- علم شامل، محيط بما وقع وما لم يقع، فى جميع صوره وأحواله.. وعلمه هنا، الذي يميز به الخبيث من الطيب ليس علما مستحدثا، وإنما هو علم قديم يندرج تحته هذا الحال الذي يكون عليه المؤمنون وهم فى هذا الامتحان الذي يؤدونه بين يدى الله..
وعلى هذا ينبغى أن يفسّر ويفهم ما ورد فى القرآن من علم الله الذي يبدو وكأنه معلق بوقوع الأحداث.. مثل قوله تعالى: «وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا» (65- 66: آل عمران) ومثل قوله سبحانه: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ» (142: آل عمران) .. ونحو هذا..
فعلم الله محيط بكل شىء. وكل ما هو فى علم واقع تحت هذا العلم، فى جميع أحواله المتلبس بها.. فالله سبحانه يعلم أزلا أن هذا الإنسان- مثلا- سيولد من أبوين، هما فلان وفلان.. فى بلد كذا، فى زمن كذا.. وقبل أن يولد هذا الإنسان هو فى علم الله، وبعد أن ولد هو فى علم الله.. ولكن علم الله به قبل أن تحمل به أمه، وقبل أن يولد فى المكان والزمان الواقعين فى علم الله- يكون المعلوم فيه على صور خاصة وصفات خاصة، فإذا ولد، كان المعلوم فى علم الله على صورة غير الصورة السابقة، وعلى صفات غير تلك الصفات التي