كان عليها قبل أن يولد! .. وهكذا تتغير ذوات المعلومات وصفاتها، وعلم الله محيط بها فى جميع أشكالها وأحوالها، فلا يتغيّر ولا يتبدّل.
قوله تعالى:
«وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ» معطوف على قوله تعالى: «ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ» ..
والربط بين الحكمين لازم، لأن عدم اطلاع المؤمنين على الغيب، وما أراد الله لهم وكتب عليهم، يقتضى أن يؤمروا وأن ينهوا وأن يدعوا إلى الامتحان والابتلاء والجهاد فى سبيل الله..
ولو كان الغيب مكشوفا للناس لما كان ثمّة داعية إلى أمر أو نهى، فكلّ يعرف مصيره الذي هو صائر إليه.. ولو عرف الناس مصائرهم مقدما، وانكشف لهم مستقبلهم خطوة خطوة، لما احتملت طبيعتهم البشرية هذا الموقف الذي يرى فيه الإنسان وجوده كله من مبدئه إلى نهايته، ولكانت فتنة فى الأرض وفساد كبير..
ففى حجب المستقبل عنّا رحمة بنا، وإحسان إلينا، واستدعاء لوجودنا كلّه لمواجهة المجهول، ومحاولة كشفه واستخراج ما فى أطوائه، من خير وشر، وحلو ومرّ.. فهو على أي حال ثمرة مجهود، وحصاد معركة!! وانظر.. لو أن إنسانا ما عرف عن يقين من سجّل القدر أنه فى يوم كذا، فى ساعة كذا، ستصدمه سيارة تقضى عليه، أو تشبّ فيه نار فتلتهمه، أو أن أحد أبنائه سيحدث له حادث أليم..ماذا تكون حالة هذا الإنسان، منذ أن يطلع على هذا الغيب إلى أن يقع؟ هل يهنؤه طعام، أو يسوغ له شراب، أو يهدأ له قلب أو يستريح له بال؟ إنه فى همّ دائم، وكرب كارب، وعذاب أليم؟!