وفى قوله تعالى من «فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ» - إشارة إلى أن هذا الطائف المرسل إليها من عند الله، قد وضع يده عليها شجرة شجرة، وثمرة ثمرة، فلم يبق مما مرت عليه يده من ثمارها شيئا..
والطائف: من يطوف ليلا، فلا يكاد يرى، ومنه الطيف، الذي يطرق النائم، من حبيب، أو صديق.
وقوله تعالى: «فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ» - أي أصبحت هذه الجنة بعد أن طاف عليها الطائف المسلط عليها من عند الله- أصبحت كالصريم، أي كالجنة الصريم، التي قطفت ثمارها.. أي أن هذا الطائف، قد سبق القوم إلى ما كانوا يريدون، فإذا هو قد جنى كل ثمرها، وكأنه بهذا قد تولى الأمر عنهم، وأراد أن يريحهم من هذا العناء الذي يكابدونه فى حصاد ثمرها، وأنه قد فعل هذا دون أن يراه فقير أو مسكين! أليس هذا هو الذي أرادوه؟ لقد تحقق لهم على أكمل وجه!! ولكن أين ذهب الثمر؟ إنهم لو وجدوه مقطوفا، حاضرا بين أيديهم، لعدّوا ذلك من فضل الله عليهم، وإحسانه إليهم.. فأين هو الثمر؟
ليس ببعيد أن يكون الآن بين أيدى الفقراء والمساكين، الذين أرادوا حرمانهم منه، وقد وصل إلى أيديهم على أية صورة من الصور.. فإنه ليس ببعيد- وقد بان لهم أن ما حدث لجنتهم كان عقوبة من الله لهم- ليس ببعيد بعد هذا أن تضاعف لهم العقوبة، فيحرموا مما أرادوا أن يحرموا منه غيرهم، ثم يساق هذا الذي حرموه إلى من أرادوا حرمانهم! ومن يدرى، فقد يكون هؤلاء المساكين قد سبقوهم إلى هذا التدبير، فدبروا لهم هذا التدبير، كما أرادوا هم بالمساكين!! وإنه غير بعيد أن تدور مثل هذه الخواطر فى رموس أصحاب الجنة فتزداد حسرتهم، ويتضاعف ألمهم.. «وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ، وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ» (30: الأنفال)