وفى هذا إلفات إلى قدرة الله سبحانه، وإلى إحكام ما خلق.. وأن كل مخلوق مهما صفر شأنه، وضؤل شخصه، هو صنعة الحكيم العليم، فيه من روعة الصنعة، وقدرة الصانع، ما فى أعظم المخلوقات وأروعها.. فليس فيما صنع الله سبحانه- حسن وأحسن، بل كل ما خلق الله على صفة واحدة، هى الحسن فى أكمل كماله، وأبدع آياته.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ» (88: النمل) وفى إضافة الخلق إلى «الرحمن» - إشارة أخرى إلى أن المخلوقات إنما خلقت جميعها بيد الرحمة التي مستها جميعا.. كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: «وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ» (156: الأعراف) .
وقوله تعالى: «فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ» هو دعوة إلى الإنسان أن ينظر بعقله ليرى مصداق قوله تعالى: «ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ» ..
أي أن من شكّ في هذه الحقيقة، أو من لم يقع له بعد علم بها، فليلق بصره على هذا الوجود، وليقف بين يديه وقفة المتأمل الدارس، ثم ليسأل نفسه: هل يرى من فطور؟ أي هل يرى خللا، أو اضطرابا، أو تفاوتا؟
والفطور: هو التشقق، والتصدع، الذي من شأنه أن يصيب الشيء الذي أصيب به.. والفطور إنما يكون فى المواد الجامدة لا السائلة.
وقوله تعالى:
«ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ، يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ» أي إذا انكشف لنظرتك التي ألقيتها على هذا الوجود، أنه ليس فى خلق الله من تفاوت، أو من فطور، فلا تقف عند حدود هذه النظرة، التي أعطتك علما يقينيّا بأن ليس فى خلق الله الرحمن من تفاوت أو فطور. فهذا الذي وقع لك من علم، هو خير كثير، فاحرص عليه، واجعل منه زادا تتزود به فى طريقك إلى الإيمان بالله..