ثم اطلب مزيدا من هذا العلم، وذلك بمعاودة النظر بعد النظر، فى ملكوت الله، الذي لا حدود له.. فإنك إن فعلت سلك بك ذلك طريقا لا نهاية له، من العلم اليقينيّ، بقدرة الله، وعظمته، وجلاله. وإن بصرك إذ يعود إليك بعد هذه الرحلة الطويلة السابحة فى ملكوت الله، سيعود إليك «خاسئا» أي منزجرا، مرتدّا فى استخزاء، أمام هذا الجلال الذي ببهر الأبصار، ويخلب العقول، بعد أن يبلغ به التعب والإعياء غايته، وبعد أن يرى الإنسان الذي حصّل ما حصل من علم الدارسين المتفحصين، أنه ما زال على شاطىء بحر لا نهاية له!! والحسير: المتعب الكليل، الذي أعيا من طول النظر.. ويجوز أن يكون المعنى على صورة أخرى، وهى أنه مهما عاود الناظر النظر والبحث وراء الوقوع على تفاوت فى خلق الرحمن، فإنه لن يجد شيئا من هذا، ولو أجهده السير، وطال به المطاف، حتى يسقط إعياء.. وهذا يعنى أن العلم وحده لا يقيم الإنسان على إيمان يقينىّ، إلا إذا التقى هذا العلم بقلب سليم، تنقدح فيه شرارة العلم، فيضىء بنور الحق والهدى.
وفى هذا ما يشير إلى أن العقل، وإن كان من المطلوب منه أن ينظر فى ملكوت الله، وأن يقرأ فى صحف الوجود ما شاء من آيات الله- فإن عليه أن يعلم أنه على ساحل محيط لا نهاية له، وأنه إذا أراد أن يحتوى كلّ ما فى هذا الوجود، فإن ذلك لن يقع له، ولن يجد آخر المطاف إلا العجز والإعياء.. فليرض إذن بما يقع له من علم، وليتخذ من هذا العلم، الشاهد الذي يقيم فى قلبه إيمانا وثيقا بالله، وبماله من قدرة، وعلم، وحكمة، وجلال..
فذلك حسبه من العلم الذي يبلغ به شاطىء الأمان..
قوله تعالى:
«وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ» هو إشارة