كل هذا الذي يراه العدو فى جيش المسلمين، من استخفاف بالموت، وإيثار للموت فى سبيل الله على الحياة، والثبات فى ميدان المعركة حتى النصر أو الموت، والإعداد الدائم لعدد الحرب ورجالها- كل هذا يبعث الرعب فى قلوب الأعداء الذين يواجهون مثل هذا الجيش، الذي لا يرجع من المعركة إلا منتصرا، أو مستشهدا.. وإلى هذا يشير الرسول فى قوله فى مقام تعداد فضل الله سبحانه وتعالى عليه، إذ يقول: «ونصرت بالرعب مسيرة عام» أي أن أعداءه المحيطين به، يجدون فى أنفسهم رهبة له، ولجيش المسلمين، وذلك على امتداد مسيرة عام بينه وبينهم، لما يتناقل الناس من أخبار المجاهدين المسلمين، واسترخاصهم لنفوسهم فى ميدان القتال، حتى ليكون ذلك حديث الدنيا كلها..
قوله تعالى:
«إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ، وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ» .
هو تعقيب على قوله تعالى: «فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ» ..
وفى هذا التعقيب دعوة للمؤمنين إلى أن ينظروا إلى الحياة الدنيا نظرا جادّا متفهّما، فإنهم لو نظروا إليها هذا النظر، لعرفوا أنها لعب ولهو، وأنها متاع قليل وظل زائل، وأنها إذ كانت هكذا هزيلة باهتة، فإن الحرص عليها، والتشبث بالحياة فيها على أية صورة من صور الحياة، وإن كان فى ثوب الذل والمهانة- إن هذا غبن للإنسان، وجور على إنسانيته..