اشترطه الرسول فيمن يشهدون هذا الموقف معه، أن يكونوا ممن شهدوا القتال فى أحد، أما من كان فى المتخلفين ولم يشهد الحرب، فلا مكان له بينهم.. هذا والمسلمون الذين شهدوا أحدا كانوا مثخنين بالجراح، منهوكى القوى، يعانون من آلام نفسية وجسدية ما تنهدّ به عرائم الرجال.. ومع هذا، فقد رأى النبي فى هؤلاء المجاهدين- على ما بهم من آلام وجراح- خيرا كثيرا، وأن أيّا منهم- على ما به من ضعف- خير من مئات ممن فى قلوبهم مرض، من الذين يكثر بهم سواد المجاهدين بالقدر الذي يقلّ به غناؤهم..!
وقد كان لهذا أثره النفسي عند المشركين، فإنهم ما إن علموا بأن محمدا قد خرج بأصحابه وراء القوم حتى توقفوا عن المسيرة نحو المدينة، وقد وقع فى أنفسهم أن محمدا يطلبهم ليثأر من هزيمة أمس فى أحد- وطالب الثأر هيهات أن يغلب، وحسبهم ما ظفروا به من المسلمين فى معركة الأمس، فقد تدور الدائرة عليهم فى الكرة التالية.
ورابعا: من أساليب الحرب النفسية- تخويف العدو وإرهابه، بما يرى فى جيش المجاهدين من أمارات القوة، ووسائل الغلب.. وشبيه بهذا ما تقوم به الأمم من عرض قوتها فى تلك العروض العسكرية، التي تكشف بها عن بعض عدتها وعتادها، على حين أنها إذ تكشف عن بعض قوتها، فإنها تشير إلى أن وراء هذا الذي أعلنته قوى كثيرة خفية، أشد أثرا، وأقوى فتكا، من هذا الذي عرف الناس أمره، وأن ذلك سرّ من أسرارها الحربية، التي لا تظهر إلا عند الحرب!!.
ولهذا الجانب من الحرب النفسية أثر كبير فى كسر شوكة العدو، وفى قتل مطامعه فى النّيل من عدوه، فلا يقدم على العدوان وهو يرى هذه القوى المهيأة للحرب، الراصدة لكل عدو.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ» (60: الأنفال) .