إن سليمان- عليه السلام- استعرض ما يملك من خيل، وكان ذلك فى أخريات النهار، فلما طلعت عليه، هالته كثرتها، وكثرة ما تتزين به من سروج وقلائد، ولجم، فوقع فى نفسه، أن هذا حصيلة جهد كبير، بذله فى هذا الوجه، وأنه كان الأولى به أن يصرف جهده هذا فى ذكر الله..
وقد حدثته نفسه أن يردّ الخيل على أعقابها، وأن يلغى هذا الاحتفال، ولكن وجد أن ذلك قد يثير كثيرا من الأقاويل والشائعات، وأنه ربما يبلغ أعداءه عنه أنه انصرف عن اقتناء الخيل أو زهد فيها، وهى أقوى عدد الحرب يومئذ، فتحدثهم أنفسهم بحربه، ويجدون الجرأة على قتاله، فرأى لهذا أو لغيره أن يمضى فيما هو فيه، وكان الليل قد أرخى حجابه قبل أن يفرغ من استعراض الخيل، وكان من التدبير أن يؤجل بقية العرض إلى يوم آخر، ولكنه- لأمر دبره لنفسه- رأى أن يفرغ من هذا العرض، وأن يستعمل يديه فى التعرف على الجياد من هذه الخيل، وذلك بإمرار يديه على المواضع التي تدل على الجودة أو الرداءة منها، كل ذلك فى سرعة نراها فى قوله تعالى: «فَطَفِقَ» الذي يدل على الاستمرار مع التدفق والجريان للفعل.
أما الأمر الذي دبره سليمان عليه السلام فى نفسه بإنهاء هذا العرض فى هذا المجلس، فهو أن يأخذ نفسه بسياسة غير تلك السياسة التي كان يصرف فيها هذا الجهد باقتناء الخيل، والاحتفاء بها، وأن يجعل ذكر الله همّه وأن يفرغ فيه جهده، وأن يستغفر لما كان منه من تقصير أو تفريط فى جانب ذكره لربه..
هذه هى قصة الخيل.. ولها ذيول سنعرض لها فيما بعد.. بعد أن نفرغ من قصة الكرسي والجسد الملقى عليه..