قوله تعالى:
«وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً.. ثُمَّ أَنابَ» ..
هذه الآية هى إشارة إلى هذه الفتنة التي فتن بها سليمان، وهو اشتغاله بهذا المتاع من الخيل، وحشد هذا الجهد منه ومن حاشيته، ورعيته فى سبيله..
ففى قوله تعالى: «وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً» - إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى قد فتنه بهذا المتاع الكثير، الذي ساقه إليه.. وأن هذا المتاع كان عبئا ثقيلا على «كرسيه» أي سلطانه، الذي كان ينبغى أن يكون مكان النبوة فيه أبرز وأظهر من مقام الملك.. وهذا هو السر فى كلمة «جسدا» الذي يمثل المتاع الدنيوي الذي يضمه هذا الملك.. إن كرسى سليمان قد ثقل فيه ميزان الملك، وكاد يجور على المكان الذي ينبغى أن يكون للنبوة فيه، الحظّ الأوفر، والنصيب الأوفى!.
ويجوز أن يكون قوله تعالى: «وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً» بمعنى وألقيناه على كرسيه جسدا، فيكون جسدا حال، بمعنى كائنا جسدا.. على حين أن روحه قد زايله فى تلك الحال، فرأى- من عالم روحه- وجوده الجسدى قائما على الكرسي، ملتصقا به.. وهذا ما يعرف فى الروحية الحديثة باسم «الطرح الروحي» حيث تستطيع بعض الأرواح أن تنفصل عن أجسادها فى حال اليقظة، فيرى الإنسان بروحه عوالم كثيرة بعيدة، ويشهد من وراء حجب المادة الكثيفة ما يشهده عن قرب وعيان.. ومما يشهده فى حاله تلك، وجوده الجسدى.
وقد يكون سليمان- عليه السلام- رأى فى حال من أحوال الطرح الروحي، ذاته الجسدية على كرسى ملكه، على حين رأى ذاته الروحية بعيدة