وإذا كان الإسلام بتعاليمه، وبهدى رسوله، قد استطاع أن يقهر هذه الشهوات في النفوس، ويخفت صوت الأهواء الداعية إليها، فإنه لن يستطيع- وما كان من همّه أن يفعل- اقتلاع هذه الشهوات من جذورها، لأنه إنما يعمل بتعاليمه، وبهدى رسوله، فى حقل الإنسانية، وفي محيط الإنسان باعتباره كائنا بشريّا، من خصائصه أن يرغب، ويشتهى..
لهذا، كان من تدبير الدعوة الإسلامية أن لقيت المسلمين على أول الطريق، وهم في مواجهة هذه الفتنة التي وردت عليهم من أموال اليهود، وما ورّثهم الله إياه من ديارهم وأرضهم، وذراريهم ونسائهم.. وكان من تدبير الإسلام الحكيم أيضا، أن يكون النبىّ صلى الله عليه وسلم أول من يلقى هذه الدعوة، وأول من يأخذ نفسه بها، فى نفسه وفي أهله.. فكان أن تلقّى أمر ربه بتخيير نسائه في الحياة معه على ما ألفن من شظف العيش في بيته، وألا ينتظرن شيئا من تغيير هذه الحال، مهما كثرت الأموال التي تساق إلى المسلمين من غنائم الحرب، سواء ما كان منهما حالا، أو مستقبلا! فإن هن رضين هذا، فذلك مما يجزيهن الله عليه الثواب العظيم، والأجر الكبير.. وإلّا فلهن أن يطلبن سعة العيش، ومتعة الحياة الدنيا في غير بيت النبىّ.. أما بيت النبىّ فلا تجتمع فيه النبوّة، ومتاع الحياة الدنيا..!
وهكذا تلقّى المسلمون جميعا هذا الدرس الحكيم، الذي أشرف عليهم من أعلى قمة في الحياة، فلم يبق بيت من بيوتهم إلا استنار بشعاعاته، واستدفأ بضوئه! فخنست في النفوس تطلعاتها، وانجحرت في الصدور وساوسها، ورأى المسلمون- رجالا ونساء- أنهم مطالبون- وإن لم يطلب إليهم- بما أخذ به النبىّ نفسه وأهله- إذ كان النبىّ- صلوات الله وسلامه عليه- أسوتهم