روى أن «جميلة» امرأة ثابت بن قيس، جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت يا رسول الله: لا أجد في ثابت بن قيس عيبا من خلق أو إيمان، ولكنى لا أجد في طوقى مجاراته» فسألها الرسول الكريم، هل تعيد إليه حائطه (أي بستانه) الذي جعله صداقا لها.. إذا هو طلقها؟
فقالت نعم، فأمر النبي بردّ الحائط إلى ثابت، وتطليقها..
وبهذا التدبير الحكيم تتعادل كفتا الميزان للحياة الزوجية، وبهذا التعادل، يتم التوافق، والتواد، ويجد كل من الزوجين معنى السكن الذي أشار إليه قوله تعالى «وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً» (21: الروم) .
هذا، والمناسبة الداعية إلى هذا الموقف الذي وقفه النبي- صلوات الله وسلامه عليه- من أزواجه، وخيّرهنّ فيه بين الحياة معه، إيثارا لله ورسوله، وبين الحياة المطلقة من رباط الزوجية- المناسبة الداعية إلى هذا هو ما فتح الله على النبي والمسلمين في غزوة الخندق، بما ساق إليهم من غنائم اليهود، من بنى قريظة وبنى النضير، بعد أن ردّ الله عنهم الأحزاب خائبين خاسرين..
وهنا أمام هذه الغنائم الكثيرة، تتحرك شهوات النفوس، وتتدافع الرغبات، وتتطلع العيون.. إنه المال الكثير، من جهة، والحرمان الشديد، من جهة أخرى.. وإنها الفتنة، تطل برأسها على الناس، وتلقاهم على جوع بالغ، وحرمان طويل.. والناس هم الناس.. أيّا كانوا.. فلن تموت فيهم توازع الحياة، وحب البقاء، ولن يختفى من كيانهم ما ركب في فطرتهم من حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث!!