ومثلهم الأعلى الذي يتمثلونه.. وهذا ما أشار إليه قوله تعالى، قبل هذه الآيات، وكأنه مقدمة لها: «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً» !.
والأسوة هنا إن لم يفرضها الدين، أوجبها العرف، وقضى به واقع الحياة فى الناس.. فالنبىّ، بمكانه الديني، هو رأس المسلمين، وسيّدهم، وإمامهم الذي ينفرد بمقام السيادة والإمامة، وولاية الأمر فيهم..
والنبىّ بمكانه الاجتماعى من المسلمين، هو قائدهم، وملكهم، والمتفرّد بالسلطان عليهم..
ومن هنا لم يكن لأىّ من المسلمين، بل ومن المنافقين ومن في قلوبهم مرض أن يجد سبيلا إلى غير الأسوة بالنبيّ في هذا المال الحاضر بين أيديهم، أو فيما سيقع لأيديهم منه في مستقبل الأيام..
فالمؤمنون حقا يجدون في محمد النبىّ الأسوة في الحياة الطيبة الكريمة العزوف عن زخرف الحياة ومتاعها..
والمنافقون ومن في قلوبهم مرض من المسلمين، يرون في محمد، القائد، والملك والسلطان، وقد نقض يديه من هذه الغنائم، فلم يمدّ يده إلى شىء منها هو أو أهل بيته، فلا يجرؤ أحد منهم أن يمدّ بصره إلى أكثر مما امتدّ إليه بصر الرسول إزاء هذا المال..
موقف لم يكن منه بدّ، وتدبير لم يكن عنه معدّى إلى سواه، إذا كان هذا الدين الذي جاء به «محمد» دينا حقا، وكان من أمر هذا الدين أن يقيم مجتمعا إنسانيا على تعاليمه، ويمسك به على شريعته..
وتعالت حكمة الله، وجلّ جلاله، وتبارك شأنه..!
يقع هذا التدبير في بيئة كان الانتهاب، والسلب والخطف شريعة سائدة