وفي كلمة موجزة نقول: إن لله قضاء سابقا في خلقه- هذا حقّ.. فللجنة أهلها، وللنار أهلها، ولن يتحول إنسان أبدا عما أراد الله له.. ولكن- مع هذا- فإن هذا القضاء محجوب عن الناس، فلا يدرى أحد أهو من هذا من الفريق أو ذاك، وذلك مما قضت به حكمة الله، حتى يظل باب العمل مفتوحا لكل عامل.. فهناك طريقان: طريق الإيمان، والهدى، وطريق الكفر والضلال.
والأول موصّل إلى الجنة، والآخر منته إلى النار.. والإنسان مخيّر في اختيار أحد الطريقين.. هكذا يبدو الأمر في ظاهره، فلا قسر ولا قهر، وإن كان لله الأمر كله.. فمن كان من أهل الجنة، يسّره الله لها، ومن كان من أهل النار أخلى الله طريقه إليها.. وكلّ ميسّر لما خلق له! ولا تسأل بعد هذا: لم اختار الله هذا الفريق للجنة، واختار ذاك الفريق للنار؟ إنه خلقهم، لم يشاركه أحد في الخلق، وإنه أقامهم حيث أقامهم، فلا اعتراض على المالك في تصرفه فيما ملك..!
والله سبحانه وتعالى يقول: «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (2: التغابن) .
قوله تعالى:
«فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» .
هو ردّ مباشر على هؤلاء المجرمين، بعد أن تلقوا الرد الضمنى في الآية السابقة، وأنهم من أصحاب النار، ولن يعدل بهم عنها عودتهم إلى الدنيا مرة ومرة ومرات.. فليخسئوا، وليذوقوا عذاب السعير.. إنهم من أصحاب النار..